قبل أسابيع قليلة من انطلاق الحوار الأممي في ليبيا تفجرت حالة من الجدل السياسي بعد تصريحات نائبة رئيسة البعثة الأممية للشؤون السياسية ستيفاني خوري التي أكدت أن مخرجات الحوار المزمع عقده خلال نوفمبر الحالي لن تكون ملزمة للأطراف الليبية وهو ما اعتبره كثيرون مؤشرا على ضعف الدور الأممي في إدارة الأزمة الليبية
تصريحات خوري التي أوضحت أن هدف البعثة هو الوصول إلى تمثيل متوازن وتوصيات قابلة للتطبيق ضمن خريطة طريق جديدة لم تبدد القلق الشعبي والسياسي من أن يتحول الحوار إلى محطة إضافية ضمن سلسلة المبادرات غير المثمرة التي لم تحقق أي تقدم ملموس في إنهاء الانقسام أو توحيد المؤسسات
**مخاوف من الفشل وتكرار سيناريوهات الماضي**
في المقابل يرى عدد من السياسيين أن موقف خوري يعكس واقعية في التعامل مع المشهد المعقد حيث قال عضو المجلس الأعلى للدولة محمد الهادي إن الأمم المتحدة لا تفرض الحلول على الليبيين بل تكتفي بتيسير الحوار وتقديم المقترحات مؤكدا أن الرهان الحقيقي هو في عدالة المخرجات وقدرتها على تحقيق التوافق الوطني
ورغم الانتقادات أعلنت البعثة الأممية المضي في استقبال طلبات الترشيح للمشاركة في الحوار الذي من المقرر أن يضم نحو مئة وعشرين شخصية من مختلف المناطق الليبية في إطار خطة المبعوثة هانا تيتيه لإحياء المسار السياسي وصولا إلى انتخابات عامة خلال عام ونصف
في الداخل الليبي تتباين المواقف بين القوى السياسية والمجالس الاجتماعية حيث بدأت بعض الكيانات في إعداد قوائم المرشحين للمشاركة بينما اعتبر حزب القمة الليبي أن الحوار مضيعة للوقت على حد تعبير رئيسه عبد الله ناكر الذي قال إن الحديث عن توصيات غير ملزمة يعني أن أصحاب السلطة لن يلتزموا بها مما يجعل الحوار مجرد غطاء لتدوير الأزمة
أما الباحث السياسي أحمد المهدوي فرأى أن تصريحات خوري تمثل غطاء مبكرا على فشل متوقع لخريطة الطريق الأممية مشيرا إلى أن البعثة لم تنجح في إدارة أي من الحوارات السابقة وأنها انتقلت من أسلوب الحوار المفتوح إلى صيغة موجهة تعتمد على استبيانات تحدد مسبقا اتجاهات النقاش ونتائجه
**اليسير أزمة الإرادة السياسية أخطر من الحوار نفسه**
وفي سياق متصل قال رئيس لجنة الأمن القومي بالمؤتمر الوطني العام السابق عبد المنعم اليسير إن الجدل حول إلزامية المخرجات لا يغير من جوهر الأزمة الليبية مؤكدا أن الأزمة الحقيقية تكمن في غياب الإرادة السياسية وغياب تنفيذ الترتيبات الأمنية وتأجيل الانتخابات المتعمد
اليسير أشار إلى أن البعثة الأممية تعيد تدوير نفس الأطراف المتصارعة على المناصب دون أي نتائج فعلية في حين تبقى ليبيا رهينة لسلطة الميليشيات التي تتقاسم النفوذ والموارد تحت مظلة سياسية هشة محملا جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي مسؤولية غياب موقف موحد تجاه ليبيا
وبين من يرى في موقف البعثة مرونة ضرورية لتفادي الفشل ومن يعتبره تراجعاً عن أي عملية سياسية حقيقية يبقى المسار الأممي في ليبيا محاصرا بين الشكوك والتجارب السابقة وسط دعوات متكررة لإطلاق مبادرة سلام وطنية شاملة تجمع كل الأطراف وتعيد بناء مؤسسات الدولة على أساس المصالحة والرقابة الدولية غير المتدخلة
