التخطي إلى المحتوى

نجلاء أحمد تكتب

31 مأساة طلاق كل ساعة

 

تشهد مصر في السنوات الأخيرة ارتفاعًا مستمرًا في معدلات الطلاق، وهو ما يثير القلق الاجتماعي ويطرح تساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة وتداعياتها على الأسرة والمجتمع. وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد حالات الطلاق في عام 2024 نحو 273,892 حالة، مقارنة بـ 265,606 حالة في عام 2023، أي بزيادة بلغت 3.1٪، مما يعكس استمرار اتجاه تصاعدي يستدعي دراسة معمقة وفهم أسبابه والعمل على مواجهته.

تتعدد أسباب الطلاق بين الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. فالضغوط الاقتصادية تلعب دورًا محوريًا في استقرار الحياة الزوجية، حيث يزيد ارتفاع تكاليف المعيشة والأزمات المالية من النزاعات بين الزوجين ويضع الأسرة في دائرة من التوتر المستمر. كما يؤثر ضعف مهارات التواصل والحوار بين الأزواج بشكل مباشر على جودة العلاقة، إذ يفتقد الكثيرون القدرة على حل الخلافات اليومية بطريقة بنّاءة، مما يؤدي إلى تراكم المشكلات وتحولها إلى صراعات دائمة. ولا يمكن تجاهل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت أحيانًا وسيلة لنشر الخلافات الزوجية أو خلق توقعات غير واقعية حول العلاقات، ما يزيد من احتمالات الانفصال.

إلى جانب ذلك، تلعب الدراما المصرية دورًا ملحوظًا في تشكيل تصورات المجتمع حول العلاقات الزوجية، وقد يكون لها تأثير غير مباشر في ارتفاع معدلات الطلاق. فالكثير من الأعمال الدرامية تقدم نماذج غير واقعية للعلاقات، سواء من حيث الحب المثالي، أو الصراعات الدائمة، أو تصاعد الخلافات الصغيرة إلى نهايات درامية مفاجئة، ما يخلق توقعات غير واقعية لدى المشاهدين حول حياتهم الزوجية. كما أن بعض المسلسلات تعرض انفصال الزوجين كحل سهل للمشكلات، دون التركيز على الحوار أو التفاهم، مما قد يشجع البعض على اتخاذ قرار الانفصال قبل محاولة الإصلاح. وبالتالي، تتحمل صناعة الدراما مسؤولية اجتماعية في تقديم محتوى يعكس الواقع بأسلوب متوازن ويعزز من قيم الحوار والتفاهم داخل الأسرة.

ويعد غياب التوعية الأسرية والتثقيف قبل الزواج عاملًا مهمًا آخر في ارتفاع معدلات الطلاق، إذ أن البرامج التي تركز على إعداد الأزواج لمواجهة تحديات الحياة المشتركة ما زالت محدودة، وهو ما يجعل العديد منهم غير مجهزين نفسيًا للتعامل مع المشكلات الزوجية. إضافة إلى ذلك، تلعب العوامل النفسية والاجتماعية دورًا كبيرًا، مثل ضغوط العمل، الاختلافات الثقافية، والمشكلات الصحية أو الإدمان، وكلها عوامل تزيد من احتمالية انهيار العلاقة الزوجية.

ولا يقتصر تأثير الطلاق على الزوجين فقط، بل يمتد إلى الأطفال والأسرة والمجتمع بأسره. فالأطفال غالبًا ما يكونون الفئة الأكثر تضررًا، إذ يواجهون مشكلات نفسية واجتماعية مثل القلق والانطوائية وصعوبات التكيف، فيما تواجه المرأة تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة بعد الانفصال، خاصة فيما يتعلق بمسؤوليات الرعاية وتحمل أعباء المعيشة. كما يتعرض الرجال لضغوط نفسية واجتماعية، ويحتاجون لدعم للتكيف مع الحياة بعد الطلاق. وعلى مستوى المجتمع، يؤدي ارتفاع معدلات الطلاق إلى زيادة الفقر والتوتر الاجتماعي ويضع عبئًا إضافيًا على المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني في تقديم الدعم والمساندة.

لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية، من الضروري تبني سياسات واستراتيجيات متكاملة تشمل تعزيز برامج التوعية الأسرية والتثقيف قبل الزواج، لتزويد الأزواج بالمهارات اللازمة لإدارة الخلافات والتواصل الفعّال، بالإضافة إلى توفير خدمات الاستشارات الزوجية والدعم النفسي للأسر المتأثرة. كما يجب العمل على تعزيز الاستقرار الاقتصادي للأسر من خلال سياسات تقلل من الضغوط المعيشية، وتشجيع الحوار الأسري وغرس قيم التماسك الاجتماعي التي تعزز قدرة الأفراد على التفاهم والتعاون.

في النهاية، لا يمكن النظر إلى ارتفاع معدلات الطلاق مجرد أرقام وإحصاءات، بل كقصص حقيقية لأسر وأطفال تتأثر حياتهم كل يوم. إن التحدي الحقيقي يكمن في حماية الروابط الأسرية، ودعم الأزواج على تجاوز الخلافات، وتوفير بيئة مستقرة تنمو فيها الأسرة بصحة وسعادة. فالاستثمار في الحوار، والتوعية، والدعم النفسي والاجتماعي، ليس مجرد واجب، بل رسالة أمل لكل أسرة مصرية نحو غد أكثر تماسكًا واستقرارًا.

 

بقلم / نجلاء احمد