التخطي إلى المحتوى

 

يرى مراقبون أن لا بديل متوفر للنظام الحالي، بالنظر إلى الأوضاع الكارثية في البلاد المتراكمة جراء الحرب، وكون القوى التي طرحت نفسها كمعارضة فشلت، بل وقدمت نماذج في مناطق حكمها وسيطرتها، أسوأ بكثير من نموذج النظام القائم، فهي تحولت لمجرد مجموعات مأجورة ومرتزقة، لدول مجاورة لديها أطماع معلنة في التراب السوري، كما هو الحال مع تركيا، التي تحتل مناطق واسعة في شمال سوريا.

وسيتولى الفائز في الانتخابات الرئاسية سدة الحكم في سوريا لمدة سبعة أعوام قادمة. وكان الرئيس السوري بشار الأسد، قد حصد نسبة 88 في المئة، خلال آخر انتخابات جرت في العام 2014 .

في انتخابات رئاسية ستكون الثانية من نوعها، منذ بدء الأزمة الطاحنة في البلاد، أعلن مجلس الشعب السوري (البرلمان) أن انتخابات الرئاسة السورية، ستتم في يوم 26 مايو القادم، وأن باب الترشح يفتح من الاثنين.

وخلال هذه السنوات السبع، طرأت جملة تحولات فارقة في مسار الصراع السوري الدموي، فالحكومة السورية التي كانت إبان تلك الانتخابات بالكاد تسيطر على ثلث البلاد، باتت الآن يحكم سيطرته على أكثر من ثلاثة أرباع الجغرافيا السورية، ما يشي بحسب مراقبين بأن نتيجة هذه الانتخابات ستصب في صالح الرئيس بشار الأسد.

ويرى المراقبون المحايدون أن لا حلول تلوح في الأفقين القريب والمتوسط حتى للمعضلة السورية، وأن بقاء الرئيس بشار الأسد على سدة الحكم هو خيار توافقي دولي وإقليمي خاصة، في ظل غياب البدائل الواقعية والمقبولة، وفي ظل الفشل الذريع الذي حصدته “المعارضة”.

فما يتم في سوريا على صعيد المقاربات الدولية للوضع، هو مجرد ادارة للأزمة بلا حلول، وأبلغ مثال على صحة ذلك هو هذه الانتخابات التي ستجري في غضون نحو شهر من الآن، والتي يشير إجراؤها إلى أن الوضع سيستمر على ما هو عليه حتى إشعار آخر، لن يكون قريبا وفق كافة المعطيات الموضوعية والمنطقية، داخليا وعربيا وإقليميا ودوليا.

لكن هل ستجري هذه الانتخابات في كامل الأراضي السورية، سيما أنه لا زال ثمة مناطق في البلاد كإدلب خاضعة لقوى متشددة وإرهابية، كهيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) وفصائل “الائتلاف السوري المتحالفة معها، فضلا عن مناطق الاحتلال التركي في جرابلس وعفرين ورأس العين وغيرها. إلى جانب المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، في شمال شرق سوريا كالرقة والحسكة والقامشلي، والأخيرتان فيهما تواجد أمني واداري للحكومة السورية، وإن في مناطق ومربعات أمنية محددة، كمطار القامشلى الدولي.

وكتحصيل حاصل فإن المناطق الخاضعة للاحتلال التركي ومرتزقته السوريين، لن تتم فيها الانتخابات الرئاسية التي أعلنت دمشق عن تنظيمها في أواخر مايو القادم، لكن بقية المناطق الخارجة عن سلطة الحكومة السورية، وتحديدا في مناطق الإدارة الذاتية، ليس واضحا تماما ما إذا كانت ستشارك في تلك الانتخابات أم لا، بمعنى أن ثمة احتمالات مفتوحة في هذا الإطار.

ويقول الكاتب والباحث المختص في الشأن السوري سرتيب جوه: “هناك إشارات عن تواصل دمشق مع الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، كي تكون تلك المناطق مشمولة بالانتخابات الرئاسية المزمعة نهاية الشهر القادم، بحيث يتم وضع الصناديق في مراكز انتخابية في تلك المناطق، إذ تحاول دمشق إضفاء الشرعية على الانتخابات بهذا الشكل، عبر القول أنها تنظم في مختلف الأراضي السورية، وليس فقط في تلك الخاضعة لسلطة الحكومة السورية، وإظهار أن تلك المناطق الواسعة في شمال وشرق البلاد، ليست خارج نطاق سيطرة الحكومة في دمشق.”

ويضيف: “الأكراد حاليا بين ضغوطات روسية، للموافقة على وضع صناديق الاقتراع الرئاسية السورية داخل مناطقهم، وضغوطات أميركية مقابلة رافضة للطلب الروسي”.

ويتابع جوهر: “يسعى الجانب الكردي للتفاوض والاتفاق مع دمشق، بخصوص شمول المناطق الشمالية والشرقية بالعملية الانتخابية، لكنه يريد من العاصمة السورية في المقابل الاعتراف الرسمي بالإدارة الذاتية، والحكومة السورية بدورها تحتاج إلى نوع من الشرعية في المناطق الكردية، والشمالية الشرقية من البلاد، بشكل عام لتجديد ولاية الرئيس بشار الأسد.”

ويردف الخبير في الشأن السوري، يدرك السوريون عموما ومنهم الكرد، أن لا تغيير في الأفق وأن حصاد عشر سنوات من الحرب والأزمة، يقتضي التصرف بواقعية وعقلانية باردة بعيدا عن الشعارات والعواطف، فالرئيس بشار الأسد سيبقى لسبع سنوات قادمة، ولا بديل له وهو يحظى رغم كل شيء بشرعية دولية، ما يجعل من التعامل مع هذه الحقيقة شئنا أم أبينا، ضرورة وجودية لمحاولة وقف نزيف الدم وعجلة الحرب، والبحث تاليا في تسويات وحلول سلمية وعملية، تتيح هامشا من الحريات والتعددية والأمل، في بلد غارق في الدم والفقر والدمار”.

جدير ذكره أن الحرب السورية الممتدة على مدى عقد من السنين، أزهقت أرواح نحو 400 ألف سوري، وخلفت مئات آلاف الجرحى والمعوقين، وشردت نحو نصف سكان البلاد داخليا وخارجيا، ودمرت وخربت الاقتصاد ومجمل مناحي الحياة، ومختلف البنى التحتية، والمرافق الخدمية التي باتت شبه معطلة، في مختلف المناطق السورية.