التخطي إلى المحتوى

بقلم هبه عبد الفتاح

 

يرتبط شهر رمضان عند الشعوب العربية بتناول الحلويات، حيث تعتبر رافداً للحيوية وتعويضاً للطاقة عقب نهار الطويل الطويل، وكذلك مصدر للطاقة بشكل عام.

وتبرز الكنافة في مقدمة هذه الحلويات في البلدان العربية، لاسيما منطقة مصر و الشام والعراق ومن ثم دخلت البلدان الأخرى والخليج.

 

وللكنافة جذور في التاريخ العربي يعود لمئات السنين، حتى إن بعض القصص المختلفة صارت تنسج حول ابتكارها ، وتاريخها الذي اختلطت فيه الأصول الغائبة بالروايات المؤلفة والمختلقة.

 

فقد أوضح عدد من المورخين أن أصل الكنافة يرجع إلى العصر الفاطمي،واشتهرت الكنافة بشكل كبير في عهد الفاطميين، وبخاصة في شهر رمضان، فارتبطت به، وعرفت بهذا الاسم منذ العصر الفاطمي والأيوبي والمملوكي إلى عصرنا هذا ، حيث أزدهرت صناعة الكنافة و الحلويات عموما في القاهرة، وباتت لها أشكال متنوعة وتقنيات خاصة، وظهر العديد من الألوان المبتكرة المعروفة إلى اليوم في القطايف والكنافة وغيرها من الحلويات

 

 

وبالفعل فإن بعض المؤرخين يؤكدون أن تاريخ الكنافة يعود إلى العصر الفاطمي ، وخاصة بعد تولي محمد علي الحكم على مصر ، حيث ذهب محمد علي إلى الجد الأكبر للحاج عتريس ، والذي كان يعرف بأنه أشهر كنفاني في القاهرة بمنطقة السيدة زينب، فبدأ بصناعتها ونشرها من جديد.

 

وفي رواية أخرى، قيل أن الكنافة صنعت لسليمان بن عبد الملك الأموي، كما قيل أن تاريخ الكنافة يعود إلى المماليك الذين حكموا مصر فى الفترة من 1250- 1517م

 

وقد عرفها المصريون عند دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة، إذ كان ذلك في شهر رمضان، فخرج الأهالي لاستقباله بعد الإفطار وهم يتسارعون في تقديم الهدايا له ، ومن بين ما قدموه الكنافة على أنها مظهر من مظاهر التكريم، عند مجيئه إلى مصر في القرن الـثالث الهجري، كأحد مظاهر الاحتفال والترحيب به، فاشتهرت آنذاك باسم “زينة موائد الملوك” لارتباطها بهم.

ثم انتقلت الكنافة بعد ذلك إلى بلاد الشام عن طريق التجَّار ، وبعد ذلك بدأت في الانتشار حتى وصلت للوطن العربي كله.

 

و بحسب الروايات القديمة، يعود أوّل ظهور للكنافة إلى عصر الدولة الأموية، حيث قيل أن أهل الشام صنعوها خصيصًا لمعاوية بن أبي سفيان كطعام للسحور، وذلك لتفادي شعوره بالجوع الشديد في شهر رمضان الكريم، فكانت تشعره بالشبع لفترات طويلة ، وبعد أن اعتاد معاوية على تناولها في وجبة السحور طيلة شهر رمضان، انتشرت فيما بعد بشكل كبير، وظلت معروفة لوقت طويل بإسم كنافة معاوية ،

و قدمت له بصفة مستمرة كطعاماً في السحور أثناء ولايته في دمشق.

وهذا يعني أن أول ظهور للكنافة كان في بلدان الشام، ولكن من الصعب تأكيد قصة معاوية، رغم أن اسم الكنافة صار مرتبطاً به، حيث أصبحت تعرف بـ “كنافة معاوية”.

 

وفي قصة معاوية فثمة رواية تشير إلى أن طبيبه قد أوصى بها، وكان مشهور عن معاوية أنه كان يجوع جوعاً شديداً في الصيام فوصفها له، الطبيب محمد بن آثال ، وكانت مصنوعة بشكل خاص لمعاوية آنذاك ، والرواية الثانية أنها صنعت لأجله ، كنوع من الرفاه، وهذا يعني أنها ليست مجرد غذاء شهي، بل هي أيضاً ربما كانت علاجاً أو مصدراً للحيوية فعلاً ، وقد أوصى بها الطبيب الدمشقي ، وهذه القصة تم التشكيك فيها من قبل بعض العلماء والمؤرخين، كما فعل حمد سيد كيلاني، المحقق المصري البارز في الأدب والتاريخ، حيث كتب عن ذلك في دراسة نشرت عام 1950 بمجلة الرسالة، وانتقد هذه الرواية.

 

ويشير كيلاني إلى أن الشعر العربي القديم جاء على ذكر العديد من أنواع الحلويات، لكن ذكر الكنافة تأخر تاريخياً ، مما يعني أنها عرفت فيما بعد، حيث كان الشائع ذكر القطايف فقط .

 

وبرع الشاعر المصري أبوالحسين الجزار الذي يصنف من شعراء العصر “المملوكي”، في وصف الكنافة في شعره واهتم بها كقوله:

 

سقى الله أكناف الكنافة بالقطر

وجاد وليها سكر دائم الدر

وتبا لأوقات المخلل إنها

تمر بلا نفع وتحسب من عمري

 

ويقال إن الجزار هو أول من تغنى

بالكنافة فعلياً ، ورسخ صورتها في الشعر العربي، حيث قال:

 

وما لي أرى وجه الكنافة مُغضباً

ولولا رضاها لم أرد رمضانها

عجبت لها من رقة كيف أظهرت

عليّ قد صد عني جناحها

تُرى اتهمتني بالقطايف فاغتدت

تصُدُ اعتقاداً أن قلبي خانهــا

ومُذ قاطعتني ما سمعت كلامها

لأن لساني لم يُخاطب لسانهـا

 

ويبدو جلياً أنه يرسم صورة مضحكة تحاكي الكنافة بالمحبوبة، التي غارت من ذهابه إلى القطايف وإغفاله لها ، بل اتهمته بالخيانة، ويخبرها أنه على عهده وحبه مخلصاً لمحبوبته الكنافة.

 

وهناك روايات تشير إلى أن ارتباط رمضان والمناسبات الدينية بالمآدب بدأ في العصر الأموي، وفي تلك الفترة ظهرت الكنافة والعديد من أشكال الحلوى والطعام المستحدثة على المائدة.

 

أما تسميتها “كنافة” فهي منسوبة لكلمة مُشتقة من العربية “كَنَف” ومعناها الإحاطة.

 

وهناك رواية أخرى تقول إن أصول الكنافة ترجع لعصر الأتراك الذين حكموا نابلس قبل مئات السنين ، وقد تطورت الكنافة الإسطنبولية فى نابلس فيما بعد ، وأنتج منها أصناف كثيرة أشهرها الكنافة الناعمة التى تميزت بها نابلس ، وذلك لجودة الجبنة النابلسية ، مما أدى لاشتهار أهل نابلس بالكنافة النابلسية .

 

وفي روايات اخرى فإنه تعود تسمية الكنافة إلى اللغة الشركسية ، ويطلق عليها اسم ( تشنافة ) ، أي مكونة من كلمتين ( تنشا ) تعني البلبل ، و( فه ) تعني لون أي ان الكنافة تعني لون البلبل.

 

 

وبشكل عام فإن صناعة الحلوى كانت رائدة عند العرب، وفي مواسم معينة، كالمناسبات الدينية ، حيث يزيد الاهتمام فيها بتناول الحلوى ، كما يحدث مع شهر رمضان بالتحديد.

 

أنواع الكنافة

 

للكنافة أنواع عديدة منها:

الكنافة الناعمة، وتكون عجينة هذا النوع من الكنافة ناعمة جدًا.

الكنافة الخشنة، أما هذا النوع من الكنافة فتكون الشّعيريّة المستخدمة فيه طويلة.

الكنافة المحيّرة، تُحضّر هذه الكنافة من الشّعيريّة الناعمة والخشنة معًا.

الكنافة المبرومة، أما بالنسبة لهذا النوع فتكون الشّعيريّة المستعملة في تحضيره أيضًا طويلة ، ولكن مبرومة الشّكل .

وكان المعروف عن الكنافة ثلاثة أنواع، الأول يسمى كنافة شعر ، وذلك لخيوط الكنافة الرفيعة تمامًا ‏مثل الشعر، وهو الأشهر لربات البيوت، والثاني كنافة يدوي ، وهي التي ‏تعتمد على الطريقة التقليدية من خلال الوعاء ذي الثقوب ويطلق عليها كنافة ‏بلدي، حيث تمتاز الكنافة بمذاق لذيذ وخاص ، ومرتبطة بشكل عام في الوطن العربي بشهر رمضان، ولها عدة طرق أيضا لطهيها، وأشهرها الكنافة النابلسية، والكنافة المحيّرة، والكنافة المبرومة ، والنوع الثالث الذي تُستخدم فيه الآلة ويُطلق عليها «كنافة ماكينة».

 

كما اختلف طرق حشو الكنافة مابين الكريمة والمكسرات والشيكولاتة والمانجو والبن والجبن واللحم المفروم وغيرها من أنواع الحشو المميزة التى ابتدعها صناع الحلوى خلال السنوات الماضية، لترضى جميع الأذواق التى تحرص بشكل سنوى على تحضير أنواع مختلفة من الكنافة ، لتناولها بعد وجبة الإفطار مع أفراد الأسرة ، سواء أثناء مشاهدة المسلسلات الرمضانية ، أو أثناء التحدث عن مختلف أمور الحياة ، مع بعض المشروبات الرمضانية الشهيرة ، مثل تمر وسوبيا وغيرها من المرطبات.

 

 

الكنافة النابلسية

 

هي نوع من أنواع الكنافة اشتهرت بصناعتها مدينة نابلس الفلسطينية، وتتكون من شعيرية على شكل خيوط طويلة، يضاف إليها السمن والقطر، وجبن نابلسي، وتزيّن عادة بالفستق الحلبي والقطر. وهي مشهورة جداً في فلسطين وسوريا والأردن ولبنان والعراق.

 

وتعود قصة اسم الكنافة النابلسية إلى عام 1850 ، عندما أتى مواطن سوري إلى نابلس بفلسطين، لإنشاء محل للكنافة عرف باسم “حلويات غرناطة”، وكانت حينها تقتصر أنواع الكنافة على المكسرات واللوزيات ،

وشهد المحل إقبالاً كبيراً من أبناء المدينة ، وذلك لتعلّم طريقة صناعتها، ومنه بدأت الكنافة النابلسية بالانتشار في البلاد المجاورة مثل سوريا ولبنان والأردن والعراق.

 

ودخلت مدينة نابلس عام 2009 موسوعة غينيس للأرقام القياسية بأكبر صينية كنافة نابلسية، تزن 1765 كيلوغرام، بطول 74 كتراً، وعرض 105 سم.

 

ومما يدل على الأثر العظيم الذي أحدثته الكنافة في نفوس المجتمع المصري ،أن شيخ الإسلام جلال الدين السيوطي جمع ما قيل في الكنافة في كتاب سماه «منهل اللطائف في الكنافة والقطائف» ،

حيث ألف العلامة المصري جلال الدين السيوطي (1445 – 1505م) هذا الكتاب الذي حمل اسم “منهل اللطائف في الكنافة والقطايف”، ما يدل على شهرة هذين النوعين من الحلويات، التي ارتبطت بدرجة كبيرة برمضان في تلك الفترات التاريخية.

 

و بعض الروايات التي ضمنها الإمام السيوطي في مخطوطته “منهل اللطائف في الكنافة والقطائف” تقول إن أول من أكل الكنافة كان معاوية بن أبي سفيان أثناء ولايته على الشام، حيث قُدمت له خلال وجبة سحور في شهر رمضان كوصفة طبية، لتمنع عنه الشعور بالجوع والعطش أثناء ساعات الصيام، حتى أطلق عليها “كنافة معاوية”.

 

وروى السيوطي في مخطوطته “منهل اللطائف في الكنافة والقطايف”، أن المصريين يقبلون على الحلوى بكثرة في رمضان، وحدث عام 917 هـ، وبالتحديد مطلع شهر رمضان، أن ارتفعت أثمان الكنافة والقطايف ارتفاعًا كبيرًا، فتقدم أهل مصر بشكوى إلى المحتسب، وقدموا شكواهم على شكل قصيدة، قالوا فيها:

 

“لقد جاء بالبركات فضل زماننا بأنواع حلوى شذاها يتضوع،

فلا عيب فيها غير أن محبها يبدد فيها ماله ويضيع، وقد صرت في وصف القطائف هائمًا،

تراني لأبواب الكنافة أقرعُ،

فيا قاضيًا بالله محتسبًا عسى ترخص لنا الحلوى نطيب ونرتع”.

 

وفيما بعد انتشرت الكنافة من موائد الملوك والأغنياء إلى موائد الفقراء، رغم تعاقب العصور والأزمنة عليها وتطورت صناعتها بمختلف أنواعها إلى ما هي عليه الآن.

 

و تعتبر الكنافة من أشهر الحلويات في بلاد الشام، ولا سيما الكنافة النابلسية، فهي من الحلويات الدارجة في كل الفصول، لكن يكثر تحضيرها في رمضان على وجه الخصوص، فهي غنية بالطاقة والسعرات الحرارية والفيتامينات والبروتينات.

 

حيث تقدّم الكنافة في الأعراس والولائم والمناسبات والاجتماعات العائلية، وتتكون في أصلها من خيوط عجين ، يضاف إليها السمن والسكر والمكسرات من الجوز والفستق، أوالجبن الأبيض أو القشطة، ومن أشكالها: “المبرومة والبللورية والمغشوشة والعثملية والمفروكة” وغير ذلك من الأنواع.

 

وتشتهر الكنافة كذلك في تركيا واليونان، وتقدّم أحياناً مع الشاي أو القهوة.