نجلاء احمد تكتب
لا تزال الحضارة المصرية القديمة تبهر العالم بإنجازاتها الفريدة، وتُدهش الباحثين بما تركته من شواهد خالدة على رقيّ الفكر والإبداع الإنساني. واليوم، وبعد مرور أكثر من سبعة آلاف عام على ميلاد تلك الحضارة العريقة، تشهد مصر حدثًا استثنائيًا طال انتظاره، وهو افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يُعدّ أحد أكبر وأهم المتاحف في العالم، بوصفه صرحًا ثقافيًا ومعماريًا يليق بعظمة التاريخ المصري، ورؤية الدولة نحو المستقبل.
ويتزامن افتتاح هذا الصرح الفريد مع الذكرى المئوية لاكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون، التي عُثر عليها في الرابع من نوفمبر عام 1922 على يد عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر في وادي الملوك بالأقصر، لتفتح للعالم نافذة مبهرة على أسرار الدولة الحديثة في مصر القديمة، وتعيد رسم ملامح التاريخ المصري في الذاكرة العالمية.
المتحف المصري الكبير لا يقتصر على كونه مستودعًا للآثار، بل يمثل منظومة حضارية متكاملة تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل، من خلال عرضه لأكثر من مئة ألف قطعة أثرية، من بينها الكنوز الكاملة للملك توت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة مجتمعة في مكان واحد منذ اكتشافها. كما يضم المتحف قاعات عرض تفاعلية ومناطق تعليمية وبحثية ومركزًا للترميم يعدّ من الأكبر في الشرق الأوسط.
العمارة المصرية… حكاية الخلود الذى لا تنتهى
ويعكس تصميم المتحف روعة العمارة المصرية المعاصرة، إذ يتخذ من أهرامات الجيزة خلفية طبيعية له، في مشهد بصري يربط بين عبقرية الماضي وروح الحاضر. وقد تم تشييد المتحف على مساحة تقارب 500 ألف متر مربع، ليكون بذلك أكبر متحف أثري مغطى في العالم، ويشكل بوابة حضارية لمصر الحديثة نحو العالم، يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مختلف العصور المصرية القديمة، من بينها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة في مكان واحد.
وقد صُمم المتحف ليكون تجربة متكاملة تجمع بين التعليم والترفيه، إذ تتيح شاشاته التفاعلية والعروض الرقمية للزائر رحلة غامرة عبر التاريخ، كما يضم مركزًا علميًا للترميم ومناطق ثقافية وتجارية ومكتبة ومسرحًا ومركزًا للبحوث الأثرية.
إن تزامن افتتاح المتحف مع الذكرى المئوية لاكتشاف مقبرة الملك الذهبي ليس مصادفة زمنية فحسب، بل رسالة رمزية عميقة تؤكد أن مصر أرض الحضارة والخلود، ولا تزال قادرة على صنع التاريخ كما حفظته، وأن جهودها في صون التراث الإنساني تمضي بخطى واثقة نحو المستقبل.
وبينما يتوافد الزوّار من مختلف أنحاء العالم ليشهدوا هذا الحدث الفريد، تبقى مصر .. بأرقامها وإنجازاتها ومتاحفها ومبدعيها… شاهدًا حيًّا على أن الماضي المجيد هو الأساس الذي تُبنى عليه نهضة الحاضر ورؤية المستقبل.
حين تتحدث الأرقام… تتجلّى الإنجازات
وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد المتاحف في مصر 83 متحفًا عام 2023، منها 22 متحفًا في محافظة القاهرة و10 في الجيزة، مما يعكس حرص الدولة على نشر الثقافة المتحفية في مختلف المحافظات.
كما أشارت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عدد السائحين الذين زاروا مصر خلال العام الماضي بلغ نحو 15.8 مليون سائح، وهو أعلى رقم تسجله مصر منذ عام 2010، ما يعكس عودة قوية لمكانة مصر على خريطة السياحة العالمية، ولا سيّما في مجال السياحة الثقافية التي يُعدّ المتحف المصري الكبير أحد أبرز ركائزها المستقبلية.
وتُظهر هذه المؤشرات أن مصر تمضي بثبات نحو مستقبل تُبنى ملامحه على المعرفة والبيانات، لتظل حضارتها العريقة منارةً تُضيء العالم وتُلهم الأجيال القادمة.
رسالة حضارية إلى العالم
إن افتتاح المتحف المصري الكبير لا يمثل مجرد حدث ثقافي، بل رسالة من مصر إلى الإنسانية بأن الحفاظ على التراث هو طريق إلى المستقبل. فهو يجمع بين التكنولوجيا الحديثة والروح التاريخية ليُقدّم نموذجًا عالميًا لكيفية تحويل التاريخ إلى مصدر إلهام للتنمية المستدامة والتبادل الثقافي.
بهذا الافتتاح الأسطوري، تُثبت مصر من جديد أنها صانعة التاريخ وحارسة الحضارة، تمضي بخطى واثقة نحو مستقبل تُضيئه المعرفة والثقافة، وتستمد مجدها من جذور ضاربة في عمق الزمن.
فـالمتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى من الحجر والزجاج، بل جسرٌ يربط بين الماضي المجيد والمستقبل المشرق، ورسالة حضارية خالدة تُخاطب الإنسانية جمعاء.
وكما قال الحكيم بتاح حتب منذ أكثر من أربعة آلاف عام
الناس يزولون…. أما أعمالهم فتبقى خالدة إلى الأبد

